ملخص كتاب إغواء العقل الباطن لروبرت هيث | كيف تتلاغب بعقلك الباطن

ملخص كتاب إغواء العقل الباطن لروبرت هيث | كيف تتلاغب بعقلك الباطن


المقدمة

تهدف الإعلانات دائمًا إلى إبقائنا على صلة مستمرة بالمنتجات والأفكار الجديدة. وأحيانًا تقدّم الحملات الإعلانية نوعًا من الترفيه، لكن ما يقلقنا هو أن الإعلانات يمكن أن تتسلّل إلينا «خفيةً» بطريقة غير مباشرة، وقد تؤثر فينا دون دراية منا؛ ولهذا السبب نتجاهلها، لكنّ هذا التجاهل يمكن أن يمنح الإعلانات مزيدًا من القوة.
في هذا الكتاب، يكشف لنا د. روبرت هيث حقيقة أن الطريقة التي نتعامل بها مع الإعلانات على المستويين- الواعي واللاواعي- يمكن أن تؤدي إلى زيادة تأثيرها في عواطفنا التي تعدُّ الدافع الأساسي وراء قراراتنا وعلاقاتنا. كما يكشف لنا الكاتب بمزيد من التفاصيل عن طبيعة عالم الدعاية والإعلان الجديد الجريء.

نموذج الإقناع

هناك الكثير من المستهلكين يعودون إلى منازلهم في المساء، ويتسمَّرون أمام التليفزيون، ويُلغون عقولهم تمامًا.
عندما يكون المشاهد في هذه الحالة من الكَسَل والاسترخاء، فإن مستوى انتباهه لن يكون في أفضل حالاته. وخلال عرض الإعلان، فإنه يسجل مجموعة من الآراء الحسية، وهذه بدورها تُطلِق مجموعة من التصورات، كل ذلك يحدث تلقائيًّا ولا شعوريًّا وبدون تحليل. 
وفي بعض الأحيان تشاهد أو تسمع شيئًا يسترعي انتباهك ولو قليلًا، وقد تقوم فعليًّا بشيء من التحليل. ولكن مع تكرار عرض الإعلان، فإن هناك احتمالًا كبيرًا لأن يكون مستوى انتباهك أقل مما كان عليه في المرة الأولى؛ ومِن ثَم فإن قدراتنا التحليلية سوف تكون أقل نشاطًا، وسوف تقل احتمالات قيامنا بتفسير أو تذكر رسالة معينة. 
وهنا يأتي دور اللاوعي
إن العناصر التي تتم مُعالَجَتُها على مستوى الوعي تمتلك فرصةً أفضل لأن تَعلَق في الذاكرة. لذلك يعتمد عليها الكثير من الإعلانات التليفزيونية.
إنِ اعتمد الإعلان على استخدام الشعار بثبات واستمرار، أو على شخصية شهيرة، أو على رسم أو تصميم فريد من نوعه، أو على مجموعة من الأحداث المتسلسلة، فسوف تربط حتى وإنْ كنتَ في حالة استرخاء بين الإعلان والعلامة التجارية بمُضِيِّ الوقت. 
من ضمن الأمثلة المألوفة على ذلك «رنين إنتل»، حيث يتميز الإعلان بأربع نغمات: الأولى والثالثة متماثلتان، والثانية أعلى، والرابعة أعلى من الثانية. تقريبًا لن تجد شخصًا في العالم لا يعرف هذا الرنين لأنه يصدر في أي إعلان عن جهاز كمبيوتر يستخدم مُعالِج إنتل.
ولهذه الارتباطات طبيعة طويلة الأمد، حيث ما زال الكثير من الناس في المملكة المتحدة حتى الآن يتذكرون شعارات: «لا تدع شيئًا يوقفك مع شيل»، و«ابدأ يوم عملك ببيضة»، و«جينيس مناسبة لك» حتى بعدما مرَّ عليها نصف قرنٍ من الزمان.

سيكولوجية التواصل

نحن لا ننتبه للإعلانات بل وبالكاد نذكرها، ولكن هل يمنع هذا من تأثيرها فينا؟!
يجيب روبرت هيث عن ذلك بأننا نحتاج إلى التعرف على سيكولوجية التواصل والتعلم التي تحدث في أثناء مشاهدتنا للإعلان.
هناك 3 أنظمة للتعلم في العقل وهي كالآتي:

1- التعلم النشط

: ويتطلب قدرًا عاليًا من الانتباه، ومن ثم التحليل والتفسير، لكنه لا يستمر طويلًا.

2- التعلم السلبي (الخامل)

: ويتطلب قدرًا محدودًا من الانتباه وغير فعال في التحليل والإدراك، وقد يفيد في مجرد معرفة العلامة التجارية، لكن دون أن يكون الإقناع في نموذج الإعلان ذا تأثير فيه.

3- التعلم الضمني

: وهو لا يحتاج إلى الانتباه أبدًا، ويرتبط بالذاكرة الدلالية لدينا، أي التي تحمل مفاهيمنا عن الأشياء.
ويوضح "هيث" كيفية حدوث التفاعل بين تعلمنا من التواصل وأنظمة ذاكرتنا، بأن ذاكرتنا الصريحة تلك التي نستخدمها لتذكر الأشياء سعتها محدودة؛ لذلك نجد صعوبةً في تذكر الإعلانات وسهولة في نسيانها، ولكن أيضًا لدينا ذاكرة ضمنية تتسم بالقوة والاستمرارية. 

يتم إدخال المعلومات الضمنية إلى الذاكرة الضمنية وهي تخزن أغلب الأشياء التي نراها، وهي أيضًا قادرة على ربط هذه الأشياء التي نراها بالذاكرة الدلالية حيث نخزن المعاني. 
هذه الخطوة مهمة للغاية في توضيح كيف أن التعامل مع الإعلان بمستوًى منخفض أو منعدم من الانتباه قد يؤثر فينا. فعندما نشاهد إعلانًا بغير وعي تقوم الذاكرة الضمنية بحفظه تسجيله بغير وعي، وتربطه بالمفاهيم والدلالات التي لدينا عن الإثارة.

آلية عمل التواصل

تساعد آلية التواصل على تأثير الإعلان فينا، فعن طريق إدراكنا الحسي لما حولنا بواسطة العين من خلال الرؤية المحيطية أن تجعلنا نرى إعلانًا أو منتجًا خارج نطاق التركيز والتفصيل لرؤيتنا؛ لكنه يخزن ضمن التعلم الضمني، مما يتيح له أن يصبح مألوفًا لدينا، إذا شاهدناه بتركيز رغم ادعائنا بأنها المرة الأولى لنا. 
وهناك طريقة أخرى وهي عن طريق التعرض فقط، فقد يؤثر لا شعوريًّا فينا لكن ليس بقدر كبير.

روبرت هيث يشير هنا إلى أن الإعلانات في الغالب تستخدم العاطفة لجذب انتباه المشاهد، وهذا له تأثير كبير على المستهلك فيما يختار، لأن العاطفة هي ما تتولد قبل المعرفة أي التفكير المنطقي، وتعتمد هذه العملية على:
العاطفة
: وهي التي تبدأ بمثير ما يحركها وتكون ذات تأثير سيكولوجي (على مستوى السلوك والشعور الداخلي).
المشاعر:
 وهي التي ترتبط بالذاكرة الدلالية لدينا وتعطي مسمًّى لتلك العاطفة التي تولدت، ومن هنا تستخدم الإعلانات العواطف التي تربطها المشاعر بمفهوم ما له دلالة وقيمة لدينا، من ثم نستخدم العلامة بناء على ذلك الارتباط العاطفي اللاوعي لدينا.

الوعي والعاطفة

يشير الكاتب إلى أن عقلنا الواعي لا يعمل كالحاسوب، ولكنه أشبه بشاشة الحاسوب. 
يحدث تفكيرنا في اللاوعي وجزء صغير منه- ما يمكن لعقلنا التأقلم عليه بفعالية- يتم توصيله إلى هذه الشاشة حتى نستطيع النظر إليه؛ لذا حين يبدو الأمر وكأننا نتناقش مع أنفسنا فإن ما «ندركه» نحن هو أن عقولنا تُبلّغ عن مناقشة أو جدل حدَثَ في اللاوعي أو العقل الباطن في وقت ما قبل هذا؛ وهذا ما يفسر تأثير الإعلانات وإن كنا في مستويات انتباه منخفضة، فيتم الربط في الخلفية- اللاوعي - دون إدراكنا أو تذكرنا متى حدث ذلك الربط.

يذكر روبرت هيث أيضًا أن المحتوى العاطفي الإبداعي في الإعلانات يعمل على جعل مستويات الانتباه لدى المشاهدين منخفضة لأن العاطفة لا تحتاج إلى التفكير العقلاني والمنطقي بمعنى أن نظرية "كلما كان المحتوى العاطفي أكبر كان الانتباه أكثر" خاطئة! بل العاطفة تجعل الانتباه في مستوى منخفض، ويكون المشاهد في وضع الاسترخاء، وعندها تتم معالجة الإعلان العاطفي تلقائيًّا في اللاوعي، ولأن العاطفة تتم معالجتها بعملية تلقائية في اللاوعي دون أي معوق أو تفكير أو تحليل مثل "التصفية الإدراكية الحسية أو الجدل المضاد"؛ فإن المحتوى العاطفي يجعلنا أقل انتباهًا وأكثر تأثرًا. 

عملية صنع القرار بين العاطفة والتفكير

بالرغم من أن القرار يأتي من التفكير، ولكنَّ للعاطفة دورًا وتأثيرًا عميقًا في توجيه القرار وصنعه. وقد لا يتم إدراك ذلك لكون العاطفة مرتبطة بأمور وحوداث في الماضي وانمحى الحدث من الذاكرة؛ لكن الشعور والعاطفة ما زالت باقية وقد لا تدرك ذلك كونه مخزنًا في اللاوعي، وهذا ما يحدث مع العلامات التجارية والمنتجات، فقد تعتقد أن لديك قرارًا منطقيًّا وعقلانيًّا في اختيار علامة ومنتج معين، لكن العاطفة لديها مؤثر قوي وكبير وأنت غير مدرك لذلك وتلك تعرف بـ "الواسمات الجسدية". 
ويضرب روبرت هيث مثال الطفل الصغير الذي يسير وسط شارعٍ مزدحم مع والدته، وهو يعبر الطريق، تُشدِّده والدته على أهمية النظر إلى كِلا الاتجاهين للتأكد من عدم قدوم أي سيارة. وهو يُصغِي لها ويتذكر ما تقوله له، لكنها لم تترك الانطباع القوي لديه، وتمر الأيام ليكبر وينسَى أن ينظر إلى الطريق وهو يعبره مثلما كان يفعل، ولا يلاحظ اقتراب سيارة منه. ولكن يعلو صوت بوق السيارة بشدة لتتوقف على مقربة شديدة منه، فيقفز وتضطرب مشاعره بشدة، وتتملَّكك حالةٌ من الرعب، ويتصبَّب عرقًا ليعود مسرعًا إلى الرصيف. تواصل السيارة سيرها، وبعد مدة ينسَى هذا الحادث، ويعود كل شيء إلى طبيعته على ما يبدو.

لكن المشاعر المصاحبة لهذا الحادث أصبحت مثل الوسم الذي سيجعله ينتبه للطريق بدقة دون أن يكون واعيًا بأنه يفعل ذلك. 
فالوسم يجعلنا نتحيز نحو شعور ما لا نتذكر ما مصدره وحقيقته، وقد لا ندرك أحيانًا بأن شعورنا هو الموجه لنا بل نعتقد أنه قرار عقلاني.

هل "إغواء العقل الباطن" قوة من أجل الخير أم الشر؟

يذكر الكاتب أن استبعاد الإعلانات والتخلص منها يكاد يكون شبه مستحيل، لأننا نعيش في عصر الإعلان والصورة والتجارة وإن تم إلغاؤها ستخرج مصادر أخرى وطرق غيرها للإعلان، لكنه حذر من خطر تأثير الإعلانات غير المفيدة- الضارة- في الأطفال، فيقول إن كانت المنتجات الخاصة بالأطفال توجه فيما مضى للأمهات، لكن الآن تعرض المنتج للأطفال مباشرة، ومن ثم لا بدَّ من الرقابة والتحذير.
كما يوضح الكاتب أن الحملات الإعلانية التوعوية لديها جانب خير مثل النصح بالابتعاد عن التدخين والسمنة والسكر وغيرها، لكن ما يعيبها استخدامها الوسائل التقليدية العقلانية الواعية التي لن تؤثر عاطفيًّا في المشاهد، فماذا لو استخدمت نموذج "إغواء العقل الباطن" لصالح الفرد والمجتمع لا بدَّ أن خيرها وفائدتها ستكون عظيمة؛ فالجميع يعلم كيف يمكن أن تؤثر الصور النمطية في المشاهدين.

ملاحظات ختامية

على الرغم من أن محتوى التواصل (أي الرسائل الموجودة في الإعلان) يتلاشَى وينتهي سريعًا، ولكن المواقف العاطفية الخفية وراء علامة تجارية معينة، والتي يولِّدها التواصل وراء العاطفي غير المباشر، تُحفَظ في الذاكرة الضمنية لتظلَّ هناك فترةً طويلة جدًّا.
ومن ثَمَّ فإنه في بعض الأوقات في المستقبل، وحين اتِّخاذ قرار شراء منتج، فإننا لن نختار العلامة التجارية الأفضل ولكن العلامة التي نفضلها- المرتبطة لدينا بتجربة إعلان إيجابية -. ونظرًا لأننا لا نتذكَّر كيف شكَّلنا وامتلكْنا تلك المواقف والمؤشرات التي أوجدت هذا الشعور الحدسي؛ فإننا لا يمكننا بسهولة منعها من التأثير فينا.

0 comments

إرسال تعليق