الدورُ الإعلامِ في التأثيرِ على الجماهيرِ، وبناءِ الرأيِ العام ملخص كتاب السطرة على الإعلام

 الدورُ الإعلامِ في التأثيرِ على الجماهيرِ، وبناءِ الرأيِ العام ملخص كتاب  السطرة على الإعلام


المقدمة

يتناولُ الكتابُ دورَ الإعلامِ في السيطرةِ على الشعوب عن طريقِ صناعةِ الأخطار، وكيف تجعلُ البروباجندا العامةَ من الناس، تنساقُ وراءَ إملاءاتِ السلطةِ الحاكمة؛ لتتحولَ هذه الشعوبُ -مع الوقتِ- إلى دُمىً ساكنةٍ تكتفي بالمشاهدةِ فقط، لا تتفاعلُ مع ما يحدث حولها.
كما يستعرضُ الكاتبُ أيضًا، كيف يستطيعُ الإعلامُ القادرُ تغييرَ الأنظمةِ وإشعالَ الحروبِ، عن طريقِ الترويجِ لأخبارٍ كاذبةٍ لا أساسَ لها من الصحةِ؛ ليُشكِّلَ بها ما يشبهُ الصدمةَ الكبرى، التي تجعلُ المتلقي على استعدادٍ كاملٍ، لتصديقِ أيِّ شيءٍ يُعرضُ عليه. 

دورُ الإعلامِ في التأثيرِ على الجماهيرِ، وبناءِ الرأيِ العام

إنَّ للبروباجندا قوةً وتأثيرًا كبيرًا على الشعوبِ وفي تسييرِ شؤونِ الدول؛ فهيَ مثلُ الآلةِ السحريةِ التي يمكنُها بناءُ وتوجيهُ الرأيِ العامِ إلى شيءٍ معينٍ، وإبعادِه عن آخر؛ من خلالِ تغييرِ السردِ المعرفيِّ للأجنداتِ السياسية، وإعطاءِ معلوماتٍ ناقصة، والتأثيرِعلى الأشخاصِ عاطفيًّا،عوضًا عن الرد بعقلانية. يستطيعُ الإعلامُ بذلك التحكمَ في زِمامِ أمورِ العامةِ وإدارة الرأي العام.
يطرحُ "تشومسكي" عدةَ تساؤلاتٍ عن ماهيّةِ العالمِ والمجتمعِ الذي نرغبُ بالعيشِ فيه، والدورِ الذي يقومُ به الإعلامُ في شئونِ السياسة، وأيِّ صورةٍ من الديمقراطيةِ نريدُ لهذا المجتمعِ أن يكونَ عليها؛ ويشيرُ إلى أنَّ للديمقراطيةِ مفهومينِ أو تعريفينِ مختلفين، هما:
التعريفُ الأول؛ وهو أنّ المجتمعَ الديمقراطي، هو المجتمعُ الذي يملِكُ فيه العامةَ الوسائلَ اللازمةَ؛ للمشاركةِ الفعالةِ في إدارةِ شئونهم، وفيهِ تكونُ وسائلُ الإعلامِ منفتحةً وحرة، أما التعريفُ الآخَرُ للديمقراطية؛ فهو أن يُمنع العامةُ من إدارةِ شئونهم، وكذلك من إدارةِ وسائلِ الإعلامِ التي يجبُ أن تظلَّ تحت السيطرةِ المشددة، هذا المفهومُ الغريبُ للديمقراطية؛ والذي يقومُ على إبعادِ الجماهيرِ عنِ التفكيرِ في القضايا المهمة، وعن إدارةِ وسائلِ الإعلام، تجدُهُ في تصوّرِ عددٍ كبيرٍ منَ المثقفينَ والسياسيينَ الأمريكان.

ديمقراطيةُ المُشاهدِ، وصناعةُ الإجماع

بصورةٍ عامة، يُقسَّمُ المجتمعُ الديمقراطيُّ إلى طبقتين:
الطبقةِ المتخصصة؛ وهم الرجالُ المسئولونَ الذين يقومونَ بالتفكيرِ والتخطيطِ للمصالحِ العامة، وهم أيضًا الذين يحللونَ وينفذونَ ويصنعونَ القراراتِ، ويديرونَ الأمورَ في النظمِ السياسيةِ والاقتصاديةِ وغيرِها، ثم طبقةِ المُشاهدِ للأفعال؛ والتي سمَّاها الكاتبُ بـ"القطيعِ الضال"، والذي يتمتَّعُ بوظيفةٍ ما في النظامِ الديمقراطي، تلك الوظيفة - حَسَبَ تصورِ ليبمان- تتمثَّلُ في كونِهم مشاهدينَ وليسوا مشاركينَ في الفعل. 
بمعنى آخر، يُسمَحُ لهم بالقول "نحنُ نريدُك قائدًا لنا"؛ ذلك لأنهَّا ديمقراطيةٌ وليست نظامًا شُموليًّا؛ أي ما يُعرف بالانتخابات، وهكذا يتمُّ تصنيعُ الإجماعِ والقبولِ بالقراراتِ بواسطةِ فنِ الديمقراطية.

تحدثَ تشومسكي عما يسمى بـ "ديمقراطيةِ المُشاهِد"، وكيف تتمُّ صناعةُ الإجماعِ على فكرةٍ أو قرار؛ وأوردَ لنا ما يسمَّى عند المفكرِ ليبمان - أحدِ أبرزِ المحللينَ والصحفيينَ الأمريكيين - "نظريةَ الديمقراطيةِ التقدُّمية" بمعنى أنَّ الثورةَ في فنِّ الديمقراطيةِ تكمنُ في تطويعِ العامةِ بما يخدُمُ ما يسميه "صناعةَ الإجماع"، أو ما يُشبهُ عمليةَ أو مبدأَ الصدمة، لجعلِ الرأيِ العامِ يوافقُ على أمورٍ لا يرغبُ بها.
ووجهةُ النظرِ تلكَ ليست بجديدة؛ فهي تعودُ لمئاتِ السنين، وهي مطابقةٌ للمبدأ القائل: "إنَّ طلائعَ المفكرينَ الثوريين، لا بُدَّ وأن تستولي على السلطةِ عن طريقِ توظيفِ ثوراتٍ شعبيةٍ؛ كإحدى الوسائلِ التي من شأنِها أن تَدفعَ بهم إلى سُدَّةِ الحكم، ثم دفعِ الجماهيرِ تجاهَ مستقبلٍ غيرِ قادرينَ أو مؤهلينَ لفَهمِه، أو وضعِ تصورٍ له؛ لشدةِ غبائِهم وعدم ِأهليَّتِهِم لذلك.

السيطرةُ على العقلِ العامِ بواسِطةِ العَلاقاتِ العامة

يُقدِّم "نُعوم تشومسكي" رؤيةً نقديّةً للدورِ السياسيِ للإعلام -خاصةً الإعلامِ الأمريكي- في التحكمِ بالرأيِ العام، ويوضّحُ الدورَ الكبيرَ، الذي تلعَبُهُ شركاتُ العَلاقَات العامة في تبريرِ المغامراتِ الخارجيةِ والحروبِ، عن طريقِ تهويلِ الأخطار، وبناءِ تصوراتٍ متحيزةٍ عن كثيرٍ من القضايا، والشؤونِ العامةِ ، التي تَهُمُّ الفردَ في مجالِ السياساتِ الداخليةِ والخارجيةِ للبلاد.
أشارَ الكاتبُ إلى أنَّ ترويضَ الرأيِ العامِ، مسألةٌ ضروريةٌ من أجلِ المصادقةِ على قراراتِ السياسةِ الخارجية، وأنَّ الدِعايا من أهم الوسائلِ الممكنةِ لبلوغِ هذا الهدف؛ وأن الولاياتِ المتحدةَ تُعدُّ رائدةَ صناعةِ العلاقات العامة؛ لأنها التزمت بمبدأِ السيطرةِ على العقلِ العام.
كما يشيرُ إلى تجرِبةِ الرئيسِ الأمريكيِ "وودرو ويلسون"، الذي عَنوَنَ برنامَجه الانتخابي "سلامٌ دونِ نصر"، وكيف استطاعَ تغييرَ الرأيِ العامِ الأمريكي من مناهضةِ الحرب ضدَ ألمانيا، إلى الاستعدادِ الكاملِ لدخولِ الحرب، وذلك بمساعدةِ الإعلامِ والبعضِ من نخبةِ لجنة كرِيل Creel ، حيث حوَّلوا المواطنينَ من أشخاصٍ مسالمينَ، إلى أشخاصٍ مهووسينَ ومتعطشين للحرب.

استعراضُ الأعداءِ والهروبُ من الأزماتِ الخانقة

يرى "تشومسكي" أنه حين تسيطرُ على وسائلِ الإعلامِ وتعكسُ المؤسساتُ التعليميةُ والأكاديميةُ آراءَ النخبة، يمكنُ أن تمرِّرَ رسائلك، إلى جانبِ ذلك، تكونُ هناكَ سياسةُ تزييفِ الواقع ِوتمثيلِ الحقيقة؛ فصورةُ العالمِ التي تُقدَّمُ إلى عامةِ الجمهورِ أبعدَ ما تكون عن الحياديةِ والموضوعية، وهي مُعدّةٌ بعنايةٍ لخدمةِ أهدافِ السياسة؛ من خلالِ اختيارِ الخبرِ والمعلومةِ والمشهد، وعادةً ما يتمُّ دفنُ الحقيقةِ تحتَ طبقاتٍ من التزييفِ والأكاذيب.
كما يرى أن برامجَ الإدارات، خاصةً الأمريكية، في السنوات الأخيرةِ؛ لا توجد لديهَا أيّةُ اقتراحاتٍ حقيقيةٍ، بشأنِ ما يجبُ عَمَلُهُ تجاهَ المشكلاتِ الحادة مثل: الصحةِ والبطالةِ والجريمةِ والسجونِ وزيادةِ الديونِ وتدهورِ الحالةِ التعليمية. ويَذكرُ الكاتبُ أن في السنواتِ الأولى من حكمِ بوش، كان هناكَ 3 ملايين طفلٍ تحتَ خط الفقر؛ وهنا تَكمنُ مسؤوليةُ الإعلامِ الأمريكيِّ، وتظهرُ طُرُقُهُ في السيطرةِ على الوضعِ في هذه الظروفِ؛ من خلالِ تشتيتِ الانتباهِ، عن طريقِ إخافةِ الشعبِ من الأعداء، وهذا ما يسمى بـ"استعراضِ الأعداء"؛ وهي استراتيجيةُ تُولَدُ وقتَ الأزمات.
كما يُوضحُ الكاتبُ لنا كيفَ أنَّ الولاياتِ المتحدةَ الأمريكيةِ، تعيشُ أزمةً خانقةً اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا؛ ولذلك يجبُ صناعةُ أو إيجادُ عدوٍ بهدفِ توجيهِ الرأيِّ العامِ نحوَه. في المرحلة الأولى؛ كان العدوَّ الروسي، ثم بعد ذلك الإرهابَ العالمي، وحربَ كوبا، وصدام حسين، وفي كل فترةٍ زمنيةٍ ومرحلةٍ سياسية، يتمُّ تزييفُ صورةِ العالمِ وتغييرُ مُجرياتِ الأحداث.

الإعلامُ وثقافةُ الانشقاق

يؤكدُ الكاتبُ أنّ طبقةَ رجالِ الأعمال، والنخبةَ المتخصصةَ في بناءِ القراراتِ، تحاولِ بكلِ جُهدِها زرعَ ما يسمى ب"العقلِ العام"، وإجهاضَ أيّةِ فكرةِ تنظيمٍ شَعبَويِّ يدافعُ عن حقوقِه، فعامَّةُ الشعبِ يجبُ حرمانُهم من أيةِ صورةٍ من صورِ التنظيم؛ لأن التنظيمَ يثيرُ المشكلات.
اهتم "نُعوم تشومسكي" بالحديثِ عن ثقافةِ الانشقاق، على الرُغم من الدِعايا والمحاولاتِ الكثيرِةِ للسيطرةِ على التفكيرِ وصناعةِ الرأي؛ فإن هناكَ رغبةٌ وقدرةٌ لدى المجتمعاتِ، على إنشاءِ تنظيماتٍ شعبويةٍ غيرِ رسمية، لها منظورُها الخاصُ والمنطقُ في التحليلِ تجاهَ الأمور، لكن تبقى تلك الجهودُ بدائية، كما أنها ما زالت تُواجَهُ بالتنظيمِ القويِّ الذي يتحكمُ به رجالُ السلطةِ، ممن يملِكونَ كلَّ الوسائل؛ ومنها وسائلُ الإعلام.
كما يؤكدُ على عمليةِ تصنيعِ الإجماعِ، وأنها ليست عمليةً سهلة، وتتطلبُ الدقةَ في انتقاءِ التصور، واستندَ إلى مجموعةٍ من المُعطَيَات التاريخيةِ، للتأكيدِ على الكيفيةِ التي تناولَ بها الإعلامُ، قضيةَ التعذيبِ والاحتلالَ غيرِ الشرعيِّ وانتهاكَ حقوقِ الإنسان، وكيف تُعدُّ الولاياتُ المتحدةُ الأمريكيةُ الناطقَ باسمِ ثقافةِ حقوقِ الإنسانِ والمرسّخَةَ لها؛ على الرغم من أنّها تَغضُّ الطَرْفَ عن جَرائمَ ومذابحَ ضد الإنسانية، كانت طرفًا رئيسيًّا فيها.

دورُ الإعلامِ في الترويجِ للحروب.. حربِ الخليجِ نَموذجًا

أتقنتِ الدِعايا الإعلاميةُ المُنظمةُ فنَّ التلاعبِ بالعقول، وتزييفِ الواقعِ وتصنيعِ الإجماع؛ وهذا مع حدثَ في حربِ الخليج، وكيف تمَّ الترويجُ لها، ووجوبِ التدخُّلِ بقوةٍ في العراقِ، تحتَ ذريعةِ الاحتلالِ غيرِ الشرعي، وانتهاكِ حقوقِ الإنسانِ وإنشاءِ الديمقراطية، وكيف تمكَّنَ الإعلامُ الأمريكيُ من تغييرِ صورةِ "صدام حسين" من حليفٍ قويٍّ للولاياتِ المتحدةِ الأمريكيةِ، إلى حاكمٍ متمردٍ ديكتاتوريٍ على قيم الديمقراطية؛ وهذا أدَّى إلى طمسِ ما يسمى "المعارضةُ الديمقراطيةُ العراقية" التي كانت لها رغبةٌ وإرادٌة في قيامِ النِّظامِ الديمقراطيِّ في العراقِ، قبلَ شنِّ الحرب عليه.
وكما نقلت أمريكا الحربَ إلى خارجِ حُدودِها، ورمتَ بها في أفغانستان والعراق وسوريا، قامت بإدارةِ الصراعِ الإعلاميِّ خارجَ حدودِ بلادِها أيضًا؛ وذلك بالضغطِ على الأنظمةِ الاستبداديةِ؛ ليسيرَ إعلامُ تلكَ الدولِ وَفقَ الأجنداتِ التي تُحدِّدُها، فهيَ على عكسِ الدولِ الشمولية؛ تتحكَّمُ في الإعلامِ الخارجيِّ وتحرِّكُه كيف تشاء؛ فيُمكنُها بتلكَ الطريقةِ الضَّغطُ على تلكَ الدُّولِ بنشرِ فضائِحها إذا دعت الضرورةُ لذلك، وتتغاضى عن تجاوزاتِها للسبب نفسه.

ملاحظاتٌ ختامية

تعملُ السياسةُ الأمريكيةُ للسيطرةِ على العالمِ بمبدأ: اخلِقْ عدوّاً وهميًّا وخوّف الشعبَ منه، ولكن يجبُ أن يكونَ شبحًا هُلاميًّا، لا أحدَ يمكنُه معرفةُ أبعادِه أو أن يُمسِكَه. 
تصنيعُ الإجماعِ يعنى؛ جعلَ الرأيِ العامِ يوافقُ على أمورٍ لا يرغبُ فيها، عن طريقِ استخدامِ وسائلَ دِعائية.
صورةُ العالمِ التي تُقدَّمُ لعامةِ الجمهورِ أبعدُ ما تكونُ عن الحقيقة، التي عادةً ما يتمُّ دفنُها تحتَ طبقةٍ منَ الأكاذيب. 
الأزماتُ تجعلُ المستحيلَ ممكنًا! وستعملُ على خلقِ أوضاعٍ جديدةٍ ، تُمرَّرُ من خلاِلها سياساتٌ اقتصاديةٌ واجتماعية، كان الناسُ يرفضونها في الحالة الطبيعية.
الدِعايا في النظامِ الديمقراطيِّ هي بمثابةِ الهِرَاوَات في الدولةِ الشمولية. 

0 comments

إرسال تعليق